فصل: مسألة أنستسقي في العام المرتين والثلاث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم أتأذنون:

وسئل عن الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم: أتأذنون؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا، فقيل له: وذلك أحب إليك أن يستأذنهم؟ فقال: إن خاف أن يكون منهم من يكرهه أن يؤمهم فليستأذنهم، ربما تقدم المرء القوم ومنهم من يكره ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله في استئذان الرجل القوم في إمامتهم: لا أرى بذلك بأسا، يدل على أنه خفف ذلك، فكأنه رأى ترك الاستئذان أحسن إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه، وفي ذلك من قوله نظر؛ إذ قد روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يحل لرجل أن يؤم قوما إلا بإذنهم». ووجه ما ذهب إليه مالك، والله أعلم، أن الرجل إذا كان مع القوم، فحضرت الصلاة وهو أحقهم بالإمامة، وعلم أنهم مقرون له بالتقدم والفضل، رأى سكوتهم على تقدمه بهم إذنا منهم له في ذلك، واستحسن أن لا يفصح باستئذانهم في ذلك؛ لما فيه من إفصاحهم بتقديمه وتفضيله، فيصير متعرضا لثنائهم عليه، إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه، فلا يكتفي بسكوتهم حتى يصر حواله بالإذن في ذلك. وأما من قد حصل إماما في مسجد أو في موضع بتقديم أهله إياه، فطرأت عليه جماعة يخشى أن يكون فيها من يكره إمامته، فليس عليه أن يستأذنهم؛ لأن أهل ذلك المسجد أو الموضع أحق بالتقديم منهم، وإن علم أن جماعته أو أكثرها أو ذا النهى والفضل منها كارهون لإمامته وجب عليه أن يتأخر عن الإمامة بهم؛ لما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خمسة لا تجاوز صلاتهم آذانهم»، فذكر فيهم الذي يؤم قوما وهم له كارهون. وقد روي أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لأن أقرب فتضرب عنقي إلا أن تتغير نفسي أحب إلي من أن أؤم قوما وهم لي كارهون. وأما إن لم يكره إمامته من جماعته إلا النفر اليسير، فيستحب له التأخر عن التقدم بهم من غير إيجاب، وبالله التوفيق.

.مسألة يؤم القوم في الظهر أيدعو بعد فراغه من التشهد الأول:

وسألته عن الرجل يؤم القوم في الظهر، أيدعو بعد فراغه من التشهد في الركعتين الأوليين بما بدا له؟ فقال لي: نعم.
قال الشارح: يريد أن ذلك جائز لا كراهة فيه ما لم يطل؛ لأن تقصير الجلسة الأولى من مستحبات الصلاة، ولا يكره الدعاء فيها إلا في ثلاثة مواطن، وهي القيام قبل القراءة، والجلوس قبل التشهد، والركوع، وبالله التوفيق.

.مسألة إمام الحرس إذا أقيمت الصلاة تقدمهم وعليه جبة وسيف:

قال: وسئل عن القوم يكونون في الحرس لهم إمام يؤمهم في الصلوات، فإذا أقيمت الصلاة تقدمهم وعليه جبة وسيف مرتدي به لا رداء عليه، فقال: ما يعجبني ذلك، ولكن يجعل على عاتقيه عمامة، فقيل له: إنا رأينا ابن عجلان يأتي المسجد إلى الصلاة متقلدا سيفا مرتديا فوق ذلك بعمامة لم أر أحدا منهم فعله غيره، فقال عيسى: أن يكون أفقه من غيره.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في آخر رسم المحرم يتخذ الخرقة من سماع ابن القاسم مجردا، فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا.

.مسألة مساجد يصلى فيها بعض الصلوات بالأذان والإقامة:

قال: وسئل عن مساجد بالإسكندرية يحرس فيها، يصلى فيها المغرب والعشاء والصبح بالأذان والإقامة، ولا يصلى فيها الظهر ولا العصر، وربما شهدنا الجنازة بالنهار، فصلينا فيها الظهر والعصر، فتجمع فيها الصلاة منها مرتين، أفترى ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، وأما الصلوات التي تجمع فيها فلا أرى ذلك فيها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة واختلاف قول مالك فيها والتوجيه له في رسم يسلف في حيوان مضمون من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل قرأ في ركعة من الصبح بأم القرآن فقط وأسر بها:

قال: وسئل عن رجل قرأ في ركعة من الصبح بأم القرآن فقط وأسر بها، أترى عليه إعادة الصلاة؟ فقال: لا أرى عليه إعادة، وأرى ذلك مجزيا عنه ولا سجود سهو عليه، فقيل له: إذا قرأ بأم القرآن فقط سرا فيما يجهر فيه بالقراءة لم تر عليه سجود السهو؟ قال: نعم ولا إعادة عليه، وأرى ذلك مجزئا عنه.
قال الإمام: قوله: إنه لا سجود عليه في ترك الجهر ولا في إسقاط السورة خلاف ما في المدونة؛ لأنه أوجب السجود فيها في كل واحد منهما. والذي في المدونة هو المشهور. ووجه هذا أنه رأى الجهر في الصلاة وقراءة ما عدا أم القرآن فيها من مستحبات الصلاة لا من سننها، وقد روى أشهب عن مالك أيضا فيمن أسر فيما يجهر فيه أنه يسجد بعد السلام. ووجه هذا أن السجود لما ضعف عنده في ذلك رأى أن يكون بعد السلام لئلا يدخل في نفس صلاته ما ليس منها، وكذلك يقول أشهب فيمن ترك التكبير في الصلاة أو سمع الله لمن حمده: إنه يسجد بعد السلام؛ لأن السجود في ذلك غير لازم، وإن سجد قبل السلام لم تفسد عنده صلاته، بخلاف من سجد عنده قبل السلام لإسقاط القنوت أو التسبيح، وقد كان يحيى بن يحيى يقول: من التزم القنوت في صلاته سجد إذا سها عنه، وأما من جهر فيما يسر فيه من صلاته ناسيا، فلا اختلاف أحفظه في المذهب في أنه يسجد بعد السلام. وقد يقال في الفرق بين الموضعين إن فعل ما تركه سنة أشد من ترك ما فعله سنة؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم»، وبالله التوفيق.

.مسألة شهود النساء الصلوات إلى المساجد:

قال: وسئل عن شهود النساء الصلوات إلى المساجد، فقال: ذلك يختلف في المرأة المتجالة والشابة، فالمتجالة تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد، والمرأة الشابة تخرج إلى المسجد المرة بعد المرة، وكذلك هي في الجنائز. وذلك يختلف من العجوز والشابة، وإنما تخرج الشابة في جنائز أهلها وقرابتها.
قال الإمام: أما النساء المتجالات فلا اختلاف في جواز خروجهن إلى المساجد والجنائز والعيدين والاستسقاء وشبه ذلك، وأما النساء الشواب فلا يخرجن إلى الاستسقاء والعيدين ولا إلى المساجد إلا في الفرط، ولا إلى الجنائز إلا في جنائز أهلهن وقرابتهن. هذا الذي يأتي على هذه الرواية وعلى ما في المدونة، فيجب على الإمام في مذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أن يمنع النساء الشواب من الخروج إلى العيدين والاستسقاء، ولا يمنعهن من الخروج إلى المساجد؛ لجواز خروجهن إليها في الفرط، فهذا دليل قوله في المدونة. وفي تفسير ابن مزين أن المرأة الشابة إذا استأذنت على زوجها في الخروج إلى المسجد لم يقض لها عليه بالخروج، وكان له أن يؤدبها ويمسكها، وليس ذلك بخلاف لما في المدونة؛ لأن معنى ما في المدونة إنما هو في المنع العام. وأما المرأة الشابة في خاصتها فيكره لها الإكثار من الخروج إلى المسجد، فتؤمر ألا تخرج إليه إلا في الفرط بإذن زوجها إن كان لها زوج، فقد كانت عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل تستأذن عمر بن الخطاب في الخروج إلى المسجد وهو زوجها، فيسكت، فتقول: والله لأخرجن إلا أن تمنعني فلا يمنعها ولا تخرج إلا تفلة، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيبا». ووجه قول مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: إن النساء الشواب لا يمنعن من الخروج إلى المساجد عموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». ووجه كراهيته لهن الإكثار من الخروج ما خشي على الرجال من الفتنة بهن، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». ووجه قوله إنهن يمنعن من الخروج إلى العيدين والاستسقاء، مع ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خروج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين- ما أحدثنه من الخروج على غير الصفة التي أذن لهن بالخروج عليها، وهي أن يكن تفلات غير متطيبات ولا يبدين لشيء من زينتهن. وقد قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لو أدرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعَهُ نساء بني إسرائيل.
وتلخيص هذا الباب على تحقيق القول فيه عندي أن النساء أربع: عجوز قد انقطعت حاجة الرجال منها، فهي كالرجل في ذلك، ومتجالة لم تنقطع حاجة الرجال منها بالجملة، فهي تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد كما قال في الرواية، وشابة من الشواب، فهذه تخرج إلى المسجد في الفرط وفي جنائز أهلها وقرابتها، وشابة فاذة في الشباب والثخانة، فهذه الاختيار لها ألا تخرج أصلا، وبالله التوفيق.

.مسألة المصلي في المحمل أين يضع يديه:

وسئل عن المصلي في المحمل أين يضع يديه؟ فقال: على ركبتيه أو فخذيه، فقيل له: فالمصلي على الدابة؟ فقال مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: يريد أنه يضع يديه على ركبتيه أو فخذيه إذا ركع أو إذا تشهد، وأما في سائر صلاته فلا حد في أن تكون يداه على ركبتيه، يدل على ذلك قوله في المدونة: فإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه عن ركبتيه، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة جمع المغرب والعشاء في رمضان في الليلة الممطرة:

قال: وسئل عن جمع المغرب والعشاء في رمضان في الليلة الممطرة وقد ذهب المطر وبقي الطين والظلمة، أيجمع بينهما؟ فقال: نعم، فقيل له: إنهم لا ينصرفون حتى يقنتوا، فقال: إذا كانوا لا ينصرفون فأحب إلي أن لا يجمعوا بينهما، فقيل له: أرأيت إن جمعوا بينهما ثم قنتوا؟ قال: هم من ذلك في سعة.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: وبقي الطين والظلمة أن الجمع لا يكون إذا لم يكن مطر إلا باجتماع الطين والظلمة، وهو مثل ما في المدونة خلاف ظاهر ما في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم أنه يجمع في الطين والوحل وإن لم يكن مطر ولا ظلمة، وقوله: إنهم لا يجمعون إذا كانوا لا ينصرفون حتى يقنتوا صحيح؛ لأن الجمع إنما هو رخصة وتخفيف لمشقة الرجوع في الظلام بعد مغيب الشفق، وقوله: إنهم إن جمعوا ثم قنتوا كانوا من ذلك في سعة يقتضي أن لا إعادة عليهم للعشاء بعد مغيب الشفق. وقال ابن لبابة: إن هذا خلاف لقول عيسى وأصبغ والعتبي وابن مزين في الذي يخاف أن يغلب على عقله، فيجمع بين الصلاتين في أول الوقت أنه يعيد الآخرة منهما في وقتها إن لم يغلب عليه حتى دخل؛ لأن الجمع في هذه المسألة إنما رخص لهم فيه لعلة الافتراق، وهم لم يفترقوا حتى غاب الشفق، فكان يلزم على قول هؤلاء أن يعيدوا العشاء الآخرة؛ إذ قد ارتفعت العلة التي من أجلها أبيح لهم تعجيلها كالذي يخاف أن يغلب على عقله فيسلم مما خاف، وليس قوله عندي بصحيح، والفرق بين المسألتين أن الذي خشي أن يغلب على عقله فصلى قبل دخول الوقت المستحب يؤمر أن يعيد ليدرك ما نقصه من فضيلة الوقت المستحب، والذين جمعوا ثم قنتوا لا يؤمرون بالإعادة؛ لأنهم صلوا في جماعة، فمعهم فضل الجماعة مكان فضل الوقت المستحب، وهذا مثل قول مالك في المسافر يتم الصلاة: إنه يعيد في الوقت إن كان أتم وحده؛ ليدرك فضيلة القصر، ولا يعيد إن كان أتم في جماعة؛ لأن معه فضل الجماعة مكان ما فاته من فضل القصر؛ ولهذا قال مالك في المدونة في الرجل يصلي في بيته المغرب في الليلة المطيرة ثم يأتي المسجد والناس يجمعون وقد صلوا المغرب ولم يصلوا العشاء: إنه لا بأس أن يصلي معهم، وقد روي عن ابن القاسم أنه إن صلى معهم أعاد في الوقت وغيره، فقول ابن القاسم في هذه المسألة هو الذي يخالف قول مالك في الرواية لا قول عيسى ومن تابعه في المسألة التي حكى ابن لبابة. ووجه قول ابن القاسم أنه رأى فضيلة الوقت آكد من فضيلة الجماعة فأمره بالإعادة في الوقت وبعد الوقت لما لم يعد في الوقت على أحد قوليه في أن من وجب عليه أن يعيد في الوقت فلم يفعل، أعاد بعد الوقت، فهذا تحقيق القول في هذه المسألة.

.مسألة يقوم من التشهد أيعتمد على يديه:

وسئل عن الذي يقوم من التشهد أيعتمد على يديه؟ فقال: ما أبالي أي ذلك فعل، ولقد كان الأمر القديم أن يعتمد على اليدين للقيام في الصلاة.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في هذا الرسم، ومضى القول فيها مُوعَبًا في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم.

.مسألة لم يجهر إمام الصبح بالقراءة ففتحوا عليه فلم يجهر:

وسئل عن قوم صلوا خلف إمام الصبح، فلم يجهر بالقراءة، ففتحوا عليه فلم يجهر حتى فرغ، فقيل له ما قرأت فقال: بلى في نفسي، فقال مالك: ما أراه قرأ وإنكم تفتحون عليه لا يقرأ، هذا جاهل جدا، فأرى أن تعيدوا أنتم الصلاة، وما أراه قرأ وإنما الذي قلت لكم تعيدوا الصلاة ما كنتم في الوقت، فإذا ذهب الوقت فلا أرى عليكم إعادة.
قال محمد بن رشد: وجه هذه الرواية أن مالكا رَحِمَهُ اللَّهُ اتهم الإمام بترك القراءة ولم يحقق ذلك عليه لقوله: بل في نفسي، أي: سرا؛ لأن القراءة في النفس دون تحريك اللسان ليست بقراءة. فلو حقق عليه أنه ترك القراءة جملة أو أنه لم يحرك بها لسانه لأوجب عليه وعليهم الإعادة في الوقت وبعده على أصل مذهبه في أن من لم يقرأ في صلاته أعادها أبدا، ولما فتحوا عليه فلم يقرأ حمل عليه أنه ترك الجهر جاهلا متعمدا فقال: هذا جاهل، وأمرهم بالإعادة في الوقت مراعاة للاختلاف، إذ قد قيل: إن صلاة القوم غير مرتبطة بصلاته، وإنها لا تفسد عليهم بفسادها عليه، وقيل أيضا: إن من أسر فيما يجهر فيه من صلاته جاهلا متعمدا لا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت وبعده، ومن مذهبه مراعاة الخلاف، وفي كتاب ابن المواز أنهم يعيدون مطلقا، فظاهره في الوقت وبعده، ولم يتكلم مالك على ما يجب على الإمام في خاصته؛ لأنه صرف الأمر فيه إليه ودينه فيه ليعيد الصلاة أبدا إن كان لم يقرأ أصلا، وإن كان قرأ وأسر القراءة جهلا فعلى الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك من أن لا إعادة عليه أو الإعادة في الوقت، أو في الوقت وبعده، وهو موجود في المذهب، من ذلك ما وقع في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى من هذا الكتاب، فتدبر ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة نسي في ركعة صلاها سجدة فلم يذكرها إلا وهو راكع في الثانية:

وسألته عمن نسي في ركعة صلاها سجدة فلم يذكرها إلا وهو راكع في الثانية، أيخر كما هو ساجدا للسجدة التي نسي؟ أم يرفع رأسه من الركوع، فيمضي في صلاته ويلغي الركعة التي نسي منها السجدة؟ فقال: إن اطمأن راكعا قبل أن يذكر وإن لم يرفع رأسه منها فأرى أن يلغي الركعة التي نسي منها السجدة ويتم صلاته، فيرفع رأسه من الركعة ثم يسجد ويبني على صلاته وقد ألغى الركعة التي نسي منها السجدة، وإن لم يكن اطمأن راكعا حتى ذكر أنه نسي سجدة من الركعة التي قبل هذه، فإني أرى أن يخر ساجدا كما هو قاضيا للسجدة التي نسي من ركعته، ويعتد بها ولا يرفع رأسه من الركعة، فإذا قضى السجدة قام مكانه للركعة الثانية فاستأنفها من أولها بالقراءة والركوع.
قال محمد بن رشد: اختلف قول مالك في عقد الركعة التي تحول بين المصلي وبين إصلاح الركعة التي قبلها، فقال في هذه الرواية: إن ذلك التمكن في الركوع وإن لم يرفع رأسه منه، وقال في رواية ابن القاسم عنه في المدونة: إن ذلك لا يكون إلا في الرفع من الركوع. وقد حكى ابن القاسم عنه فيها القولين جميعا أيضا في الذي يقوم في النافلة إلى ثالثة ساهيا فلا يذكر إلا وهو راكع، وهذا الاختلاف مبني على الرفع من الركوع هل هو فرض من تمام الركوع أو سنة والركوع قد تم بالتمكن فيه؟ على ما يأتي من الاختلاف في ذلك في رسم التفسير من سماع عيسى، ومن المسائل ما يكون فيه التمكن في الركوع عقدا للركعة باتفاق، وذلك مثل أن ينسى السورة التي مع أم القرآن أو يقدمها على أم القرآن، أو يقدم القراءة على التكبير في العيدين، أو يسلم من ركعتين ساهيا، أو يدخل في نافلة، فلا يذكر شيئا من ذلك إلا وهو راكع. ومن المسائل أيضا ما لا يكون فيه عقد الركعة إلا تمامها بسجدتيها، وذلك مثل أن يذكر صلاة وهو في صلاة، أو تقام عليه الصلاة وهو في صلاة، على مذهب من يفرق في ذلك بين أن يكون قد ركع أو لم يركع، ومثل أن ينسى القراءة جملة في الركعة الأولى على مذهب من لا يقول بالإلغاء، فإنه إن ذكر قبل أن يتم ركعة بسجدتيها قطع، وإن ذكر بعد أن كمل ركعة بسجدتيها أضاف إليها ثانية وخرج عن نافلة، وأتم أربعا وسجد قبل السلام وأعاد، واختلف إن ترك القراءة في الركعة الثالثة، فقيل إنه يرجع إلى الجلوس وسلم من ركعتين ما لم يركع، وقيل ما لم يرفع رأسه من الركوع، وقيل: ما لم يتم الثالثة بسجدتيها. فإن ركع على القول الواحد، أو رفع على القول الثاني، أو أتم الركعة بسجدتيها على القول الثالث، تمادى إلى رابعة وسجد قبل السلام وأعاد الصلاة، ومثل أن يرعف على مذهبه في المدونة فإنه يلغي تلك الركعة ما لم تتم بسجدتيها، وبالله التوفيق.

.مسألة يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعات أيوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها:

قيل له: أرأيت الذي يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعات، ثم يجلس، ثم يبدو له بعد ذلك أن يوتر، أيوتر بواحدة أم يصلي اثنتين قبلها؟ فقال: أرجو أن يكون له سعة في أن يوتر بواحدة ولا يصلي قبلها إذا كان قد ركع بعد العشاء. قيل له: وإنما الوتر واحدة يفصل بينها وبين الاثنين بسلام؟ فقال: نعم، وأنا كذلك أفعل.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يوتر بواحدة وإن طال ما بين الركعتين والواحدة إذا كان ذلك في الليل قبل الفجر، صحيح على مذهبه أن السنة عنده أن يفصل بين الوتر وما قبله من الشفع بسلام، وهو خلاف ما في آخر رسم لم يدرك من سماع عيسى، وخلاف ما في المدونة من أنه يركع ركعتين قبل أن يوتر إذا كان الأمر قد طال. ووجه هذا القول مراعاة قول من يرى الوتر ثلاثا تباعا بغير سلام. وأما لو كان ذلك بعد الفجر وقد ركع بعد العشاء لأوتر بركعة واحدة على ما في أول رسم أسلم من سماع عيسى قولا واحدا؛ لما جاء من أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر، وبالله التوفيق.

.مسألة أرض طين وحضرت الصلاة على ذلك أيصلي أحدنا قائما إيماء:

قال: وسئل فقيل له: إنا نسافر بمصر وهي أرض طين، فربما غشينا المطر في السفر فتصير الأرض طينا، فتحضر الصلاة على ذلك، أفترى أن يصلي أحدنا قائما إيماء برأسه، فإنه إن جلس في الطين فملأ ثيابه، فقال: لا، لا يصلي قائما، ولكن يجلس فيصلي جالسا، ويسجد على الطين على قدر طاقته. فقلت له: على قدر طاقته، فقال لي: نعم على قدر طاقته.
قال محمد بن رشد: هذا قول ابن عبد الحكم من أصحاب مالك؛ إنه يسجد ويجلس على الطين والخضخاص من الماء الذي لا يغمره ويمنعه من السجود فيه والجلوس إلا إحراز ثيابه، فإن صلى إيماء على مذهبهما أعاد في الوقت وبعده. وحكى ابن حبيب عن مالك ومن لقي من أصحابه أنه يصلي إيماء كالمريض الذي لا يقدر على السجود ولا على الجلوس، إلا أنه استحب أن يؤخر إلى آخر الوقت رجاء أن يتخلص إلى موضع يمكنه فيه الصلاة، يريد إلى آخر الوقت المستحب، ثم إن تخلص إلى موضع يمكنه فيه الصلاة في بقية الوقت أعاد، وهذا على مذهبه في التيمم. والذي أقول به في هذه المسألة على ما في المدونة في الذي لا يجد الماء لوضوئه إلا بثمن أنه إن كان الرجل واسع المال والثياب التي عليه ليست لها تلك القيمة أو لا يفسدها الطين، ولا ضرر عليه في جسمه في الصلاة فيه، لم يجز له أن يصلي إيماء، وإن كان بخلاف ذلك جاز له الإيماء؛ لأنه في الموضعين جميعا انتقال عن فرض وجب عليه لحياطة ماله. ولا اختلاف أحفظه في الراعف يتمادى به الرعاف ويخشى إن ركع أو سجد أن تتلطخ ثيابه بالدم أنه يصلي إيماء، ولا يبعد دخول الاختلاف في ذلك على القول بأن رفع النجاسة من الثياب والأبدان ليست بفريضة؛ لأن الركوع والسجود فرض، فلا يترك فرض لما ليس بفرض. وقد روى زياد عن مالك مثل ما حكى عنه ابن حبيب، وبالله التوفيق.

.مسألة غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده:

وسئل عن غسل العيدين أقبل الفجر أم بعده؟ فقال ذلك واسع، من الناس من يغدو قبل الفجر.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في هذا الرسم، وقد مضى القول في توجيهها فلا وجه لإعادته.

.مسألة يغتسل للعيدين وينوي بذلك الجمعة:

قيل له: أرأيت الذي يغتسل للعيدين وينوي بذلك الجمعة، أيجزئه؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قد روى أبو قرة عن مالك أنه يجزئه، قاله ابن وهب في سماع زونان من هذا الكتاب، والأول هو الصحيح؛ لأنه هو الذي يوجبه ظاهر الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» ولأن الغسل إنما شرع في الجمعة للتنظف من التفل ورائحة العرق، فإذا بعد الغسل ذهب معناه الذي شرع من أجله، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يخرج إلى ضيعة له منه على ليلتين أيقصر الصلاة:

وسئل عن الرجل يخرج إلى ضيعة له منه على ليلتين، أيقصر الصلاة؟ قال: نعم يقصر الصلاة، وأبين ذلك البرد والأميال والفراسخ على كم ضيعته منه من ميل أو فرسخ، فقيل: على خمسة عشر فرسخا وذلك خمسة وأربعون ميلا، فقال: نعم أرى أن يقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك، الصلاة تقصر في مسيرة أربعة برد، وذلك ثمانية وأربعون ميلا، وهذا منه قريب، فأرى أن يقصر الصلاة إلى مسيرة ذلك.
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب مكان على ليلتين على ثلاثين، وهو خطأ بما دل عليه الكلام، والأصل عند مالك في أن الصلاة تقصر في ثمانية وأربعين ميلا قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها»؛ لأنه قصد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذكر أقل ما يكون سفرا، وكانت الثمانية والأربعون ميلا هو المقدار الذي يسار في اليوم والليلة على السير المعتاد. ولما كان هذا المقدار مأخوذا بالاجتهاد دون توقيت حكم لما قرب منه بحكمه، فإن قصر في أقل من خمسة وأربعين ميلا إلى ستة وثلاثين، أعاد في الوقت، وإن قصر فيما دون ستة وثلاثين ميلا أعاد في الوقت وبعده، والميل ألفا ذراع، وهي ألف باع، قيل: بباع الفرس، وقيل: بباع الجمل. والثمانية والأربعون ميلا هي أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا؛ لأن البريد ثلاثة فراسخ، وهي اثنا عشر ميلا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل عشر غلاء والغلوة مائتا ذراع، وهي مائة باع، وقد قيل: إن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، وبالله التوفيق.

.مسألة أم قوما في العصر فاعتدل من الركعتين قائما فحاولوا إجلاسه فأبى:

وسئل عمن أم قوما في العصر فقام من الركعتين فاعتدل قائما، فأخذوا بثوبه من ورائه يجلسونه، فأبى أن يجلس؛ لأنه اعتدل قائما، فأشار إليهم أن قوموا، فلم يزالوا يجبرونه من ورائه حتى جلس، متى يسجد سجدتي السهو؟ فقال: أرى أن يسجدهما قبل السلام، فقيل له: أرأيت إن كان سجدهما قبل السلام؟ فقال: لا أرى عليه شيئا، قد سجدهما.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه يجب عليه أن يرجع إلى الجلوس ما لم يعتدل، وقد مضى التكلم على هذا في هذا الرسم، وفيما يجب عليه إن رجع جاهلا أو متعمدا، وسيأتي القول في رسم العتق من سماع عيسى فيمن وجب عليه سجود السهو بعد السلام فسجد قبله أو قبله فسجد بعده ناسيا أو متعمدا إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق.
تم كتاب الصلاة الثاني.

.كتاب الصلاة الثالث:

.مسألة أنستسقي في العام المرتين والثلاث:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كتاب الصلاة الثالث صلاة الاستسقاء من سماع أشهب مسألة وسئل عن أهل برقة فقيل له: إن أهلها يشربون من ماء الأمطار، إذا كانت سال لهم واد يشربون منه، وكانت أمطارنا تكثر فيزرع عليها، فيسيل بها وادينا فنشرب منه، حتى كان عندك حديثا قل علينا المطر، فنمطر ما يزرع عليه الزرع الكثير ولا يسيل وادينا، أفترى أن نستسقي؟ فقال: نعم استسقوا، ما بأس بذلك لا بأس به، فقيل له: إنه قيل: إنما الاستسقاء إذا لم يكن مطر وأنتم قد سقيتم وزرعتم عليه زرعا كثيرا؟ فقال: ما قالوا شيئا ولا بأس بذلك.
قال: وسئل أنستسقي في العام المرتين والثلاث؟ فقال: ما في هذا حد ينتهى إليه وما بذلك بأس، فاستسقوا ما بدا لكم، قيل له: أيحول الناس أرديتهم في الاستسقاء إذا حول الإمام رداءه؟ قال: نعم إن ذلك لحسن.
قال: وسئل عن الاستسقاء بعد المغرب والصبح، فقال: لا بأس به، وقد كان يفعل هاهنا وما هو من الأمر القديم.
قال محمد بن رشد: قوله في أهل برقة: يستسقون إذا لم يسل واديهم الذي يشربون منه وإن كانوا قد مطررا ما زرعوا عليه الزرع الكثير، إنما يريد بذلك الدعاء لا البروز إلى المصلى على سنة الاستسقاء؛ لأن ذلك إنما يكون عند الحاجة الشديدة إلى الغيث حيث فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد روى أبو المصعب عن مالك أن البروز إلى الاستسقاء لا يكون إلا عند الحطمة الشديدة، فإذا كان ذلك وبرز الناس إلى الاستسقاء فتأخر السقيا والوه كما قال مالك، ولا حد في ذلك؛ لأن الدعاء عبادة، والله يحب من عباده أن يتضرعوا إليه عندما ينزل بهم كما أمرهم حيث يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقد أثنى الله عز وجل على الداعين إليه فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، وذم من قصر في ذلك فقال: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]، وكذلك قوله أيضا في الاستسقاء بعد المغرب والصبح إنما يريد به الدعاء لا البروز إلى المصلى؛ لأن السنة في ذلك لا تكون إلا في الضحى.